التسويق
لعل من الأسباب الرئيسة للاقتصاد وحياة الأعمال توريد السلع والخدمات التي تشبع حاجات الناس ورغباتهم والتي تظهر بشكل طلبات عليها. ولتلبية هذا الطلب يتم تسويق السلع والخدمات بقصد إيصالها إلى من يطلبها. وهكذا يؤدي التسويق دوراً بارزاً ومهماً في حياة الاقتصاد والأعمال للبلد بوجه عام وللمشروع المعين بوجه خاص والذي تتحدد كفايته ونجاحه بكفاية ونجاح تأدية مهمة التسويق.
مفهوم التسويق
يعد التسويق صلة الوصل بين أولئك الذين يصنعون (ينتجون) السلع والخدمات وأولئك الذين يشترونها ويستخدمونها، وبمعنى آخر يؤمن التسويق سد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك. فهناك الكثير من السلع والخدمات يحتاج إليها الناس الذين لهم حاجات ورغبات متنوعة ويستخدمون أساليب كثيرة لتلبية هذه الحاجات والحصول على هذه السلع والخدمات في أسواق كثيرة. إن تحديد نوعية السلع والخدمات المطلوبة من المستهلكين وإيجادها عن طريق إنتاجها لمن يرغب بها منهم وتحديد متى وكيف وأين تقدم لهم بالسعر القادرين على دفعه والراغبين به هي من المهام والأنشطة التي يشملها مفهوم التسويق. ويمكن تعريف التسويق أنه يتضمن أداء جميع الفعاليات أو الوظائف والأنشطة اللازمة من أجل انسياب السلع والخدمات من المنتجين إلى الزبائن سواء كان هؤلاء مستهلكين نهائيين أو مشترين لها من أجل عمليات إضافية قبل وصولها نهائياً إلى المستهلكين. ويركّز هذا التعريف على المفهوم الوظيفي الذي يعد مهماً لدراسة التسويق والنظر إليه كعملية من الضروري أداؤها بفعالية لتحقيق النتائج والأهداف المرجوة منها. والوظيفة التسويقية هي نشاط أساسي أو عمل جوهري يحدث حين أداء التسويق من قبل المتسوقين إذ يؤدي بعضهم عادة عدداً منها. كما قد تؤدى الوظيفة نفسها من قبل أكثر من واحد حين تقدم السلعة أو الخدمة إلى الزبون.
وعلى الرغم من أهمية المدخل الوظيفي Functional لدراسة التسويق وبحثه، فإنه توجد مداخل أخرى كالمدخل التاريخي Historical أو السلعي Commodity أو المؤسّساتي Institutional أو مدخل التكاليف. وينطوي المدخل التاريخي على إبراز الخلفية الماضية والتطور وأوقات الهبوط والصعود في الأنشطة التسويقية والأسباب التي أدت إليها. أمّا الطريقة السلعية فإنها تبرز نوعاً معيناً من السلع كالدهانات مثلاً من وقت إنتاجها إلى وقت استهلاكها واستخدامها، وهي طريقة واضحة وعملية ولكنها مجهدة ومكررة في دراسة بحث ومناقشة سلعة بعد سلعة. أما المدخل المؤسساتي فإنه يبرز أعمال المؤسسات التسويقية كتجار الجملة والمفرق والوكلاء ورجال الشراء. وهذه الطريقة عملية وشائعة لمعرفة الناس بهذه المؤسسات وتعاملهم معها أو حتى العمل فيها. ويركز مدخل التكاليف في دراسة التسويق وأبحاثه على تخفيض تكاليف التسويق وضرورة إجراء عملياته وأنشطته بكفاية عالية وبأساليب وطرائق مفضلة في انسياب السلع والخدمات إلى الزبائن وتحسين نوعية الخدمات المقدمة ضمن التكاليف الحالية. وتبرز أهمية مدخل التكاليف في دراسة التسويق خاصة إذا علمنا أن تكاليف التسويق تقدر بنحو50٪ مما يدفعه المستهلك الأخير ثمناً لما يقتنيه من سلع وخدمات.
وظائف التسويق
وظائف التسويق كثيرة. ولكن يمكن ذكر الشائع منها في ثلاثة تصانيف رئيسة هي:
1ـ وظائف تؤثر في نقل الملكية كوظائف الشراء والبيع والإعلان والترويج وبحوث التسويق.
2ـ وظائف تؤثر في الجوانب الفنية للسلع والخدمات كوظائف النقل والتخزين والتقسيط والتغليف والتقسيم (التصغير).
3ـ وظائف تؤثر في الأموال والنقود والتمويل وتجنب المخاطر.
1ـ الشراء: Buying تنطوي وظيفة الشراء على تحديد نوعية السلع اللازم شراؤها وجودتها وكميتها، واختيار البائعين الذين سيتم الشراء منهم. ومن وجهة نظر رجال الإدارة تنطوي وظيفة الشراء على أدائها لعدد كبير من السلع المتنوعة والتي يمكن اقتناؤها من عدد كبير من البائعين ومصادر التوريد المختلفة، وما يتضمنه ذلك من تفاوض واتفاق على الأسعار والأوقات وكيفية تسديد القيمة وشروط التوريد الأخرى بكفاية وفعالية.
2ـ البيع: Selling تقابل كل عملية شراء عملية بيع موازية تتضمن إيجاد المشترين المحتملين الذين يمكن إشباع حاجاتهم ورغباتهم بالنوعية، الجودة والكمية والوقت والسعر.
3ـ الإعلان والترويج: يمكن أن تعد وظائف الإعلان والدعاية والترويج وظائف فرعية لوظيفة البيع لأنها تكملها في الاتصال بالمشترين المحتملين ومحاولة الوصول إلى شروط مرضية معهم وإنجاز عمليات البيع وإتمامها. ويساعد الإعلان في تنفيذ وظيفة البيع، ويعد في بعض الأحيان العامل الأساسي في تحريك الطلب وإيجاده على الرغم من أن بعض السلع والخدمات تحتاج إلى جهود إعلامية أكثر من غيرها.وتُنفق، بوجه عام كميات أكبر من الأموال على الإعلانات بالنسبة للسلع المباعة إلى المستهلكين النهائيين من تلك المباعة للمنتجين نظراً للعدد الكبير من الزبائن المستهلكين والمنتشرين جغرافياً في مناطق واسعة ممن يشترون على أساس العلامة التجارية (الماركة) والشهرة أو بدوافع عاطفية. كما تحتاج بعض الشركات إلى الإعلان المكثف كي تحافظ على وجودها في سوق تنافسية. وتستخدم الإعلانات وسائل مثل التلفزيون والراديو والمجلات والجرائد والكاتالوجات ويافطات السيارات والرسائل البريدية. وقد يتم إعداد الرسالة الإعلانية من قبل موظفي المشروع الفني أو من قبل مجموعات من المختصين يسمون وكلاء الإعلان. وتحتاج بعض السلع لجهود موقوتة بشكل مناسب وأمكنة ملائمة لحث المشتري المحتمل على الشراء تسمى ترويج المبيعات تتضمن مهام متنوعة مثل: العرض في النوافذ، تقديم عروض أسعار متدنية خاصة (الرخصة أو الأوكازيون)، عرض أفلام، توزيع كتيبات ونشرات،منح قسائم وطوابع، إجراء مسابقات ومعارض خاصة. وقد تكلف في بعض الشركات أقسام خاصة لتخطيط هذه الأنشطة وتوجيها أو قد تكلف أقسام البيع والإعلان بها.
4ـ بحوث التسويق: Market Research تحتاج إدارة شركة الأعمال إلى معلومات ومعرفة وافية حول ما يجري ويتواجد في أسواق منتجاتها من سلع وخدمات ونماذج وأشكال ومخازن وأسعار وأساليب بيع وإعلان وترويج وأنواع الزبائن والسكان وحاجات وطبائع الناس في الشراء، ويتم عادة الحصول على معلومات حول مثل هذه الأمور من مصادر متعددة كالدوائر الحكومية ورجال البيع ومكاتب الخدمات الاستشارية والمصارف ومجلات وجرائد المهنة و نتائج دراسات بحوث سابقة. وتفيد المعلومات المتحصلة في اتخاذ القرارات الفعالة في مجالات التسويق المختلفة وخاصة حول حاجات الزبائن ورغباتهم ودوافع الشراء لديهم وسمات السلع والخدمات وخصائصها التي تلبي حاجاتهم ورغباتهم.
5ـ النقل: Transporting تبرز أهمية النقل لعدم تواجد البائع والمشتري في مكان واحد. فمزارعو الحمضيات في اللاذقية يجدون أسواقهم في كل مناطق سورية، وحتى بعض البلدان العربية والأجنبية. والقمح السوري له أسواق عالمية، كما أن كثيراً من المنتجات الصناعية في منطقة ما تجد أسواقها في مناطق أخرى بعيدة عنها. ويعد النقل وظيفة تسويقية مهمة يسهم في نقل ملكية السلع ويساعد في تأدية وظائف التسويق الأخرى ويؤدي إلى تحريك السلع مادياً بالسيارات والسفن والطائرات والسكك الحديدية والأنابيب. وقد أمكن نتيجة تقدم وسائط النقل هذه في العقود الأخيرة من أن تتمتع مناطق الاستهلاك بجني فوائد التخصص في مناطق الإنتاج البعيدة عنها.
6ـ التخزين: Storing تختلف مواعيد الإنتاج وكمياته لكثير من السلع عن مواعيد استهلاكها، مما يستدعي عمليات التخزين. ويتضمن التخزين الحفاظ على السلع حتى يتحقق عليها الطلب. فمثلاً يتم إنتاج القمح في فصل الصيف ولكنه يباع في أثناء العام كله. كما أن لعب الأطفال تنتج في أثناء كل العام ولكنها تباع في أوقات محددة في المواسم والأعياد. وتستخدم لأغراض التخزين الساحات والمخازن والرفوف والصوامع الواسعة والكثيرة لتعبّر عن أداء هذه الوظيفة التسويقية المهمة. وفي بعض الأحيان يكون النقل موسمياً في فصول وأوقات معينة أو قد يطلب بكميات كبيرة لجعله اقتصادياً بتكلفة أقل. ويؤدي التخزين دوراً مهماً في جعل النقل أكثر فعالية وكفاية. وقد لا يقوم المستهلك النهائي بتحديد احتياجاته النهائية من السلع أو لا يقوم بخزنها بكميات كبيرة متوقعاً تلبية احتياجاته ورغباته متى يريد وفي الأوقات التي تناسبه مما يستدعي من المؤسسات التسويقية تهيئة وسائط وأساليب خزن ملائمة. ولعل من أهم خدمات تجار التجزئة وتجار الجملة تجميع السلع وتخزينها بما يلائم رغبات المشترين. كما يقوم الصانع المنتج بتخزين المواد الأولية في أثناء الصنع، وتارة الصنع بكميات كبيرة ولمدد مختلفة. وكذلك يؤدي المزارع وشركة الصناعات الاستخراجية وظيفة التخزين لتحقيق حسن أداء العمل والإنتاج.
7ـ التوصيف والتنميط: Standardization تتعلق هذه الوظيفة بتحديد مواصفات السلع وجودتها وفق معايير محددة. وترتكز المعايير على ما يرغب به المشتري وعلى استخداماته المختلفة للسلع ويمكن الاتفاق على معايير محددة من خلال العمل المشترك لعدد كبير من المصانع والمنتجين واتحاداتهم المشتركة بالاتفاق مع هيئات حكومية وخاصة مهتمة بأعمال المعايرة والتوصيف. وتحقق المعايير أسساً مرجعية لمواصفات مثل اللون والشكل أو المتانة أو الحجم أو الأداء أو المذاق أو الرطوبة أو المحتوى وغير ذلك. وقد ازداد الاهتمام بوظيفة التنميط في العقود الأخيرة لإصرار المشتري على مواصفات ونماذج وأشكال محددة في المواد الأولية والسلع المصنعة حفاظاً على مصالحه وتفادياً للغش والمنافسة غير العادلة.
8ـ التغليف: Packing يعد التغليف وظيفة تسويقية مهمة في الحفاظ على جودة السلع ونظافتها ودقة وزنها وتحديد ماركتها وكيفية استخدامها ومنع الكسر والتسرب والعطب أثناء نقلها وتخزينها. وتوظف اليوم جهود كبيرة كما تجري أبحاث قيمة مفيدة في مجال التغليف لتكاليفه العالية وأهميته في الحفاظ على السلع. وقد جرت في العقود القليلة الماضية تحسينات جمة على الحاويات والبالات والطلاء بالكيمياويات الواقية خاصة في مجالات الأدوية والأغذية ومواد التجميل.
9ـ التقسيم (التصغير): Dividing تنطوي هذه الوظيفة التسويقية على تقسيم وتجزئة أو تصغير السلع إلى كميات وأحجام أقل مرغوب بها لدى المشتري. وتعد هذه الوظيفة مهمة خاصة للسلع التي تنتج بكميات كبيرة ولكنها تستهلك بكميات قليلة. فالصانع يبيع عادة لتاجر الجملة حمولة سيارة أو حاوية ولكن تاجر التجزئة يشتري من تاجر الجملة بكميات أقل في المرة الواحدة مثلاً دزينة واحدة، والمستهلك يشتري علبة واحدة من تلك السلعة في المرة الواحدة. ولذلك كانت مهام التصغير مهمة في انسياب السلع من المنتجين إلى المستهلكين من تاجر الجملة وتاجر التجزئة ألى المستهلك.